آتيكم اليوم من أمام الفاء بعد أن كتبت مقالا سابقا بعنوان «ما وراء الفاء» بعد أن أخذ الفساد مكانا محوريا مهما. فعندما كتبت المقالة الأولى كانت هناك حساسية واضحة عندما أذكر كلمة الفساد. فبمجرد الذكر تخفض العيون ويبحث عن موضوع بديل.
لست ممن ينظر بسوداوية للأمور ولست ممن يرى الفساد في كل شيء، ولكن أحاول قدر الإمكان أن أنتهج العقلانية. ولكنه تبين لي أنه لا يمكن لنا أن نعالج أعراض المشكلة بل علينا أن نبحث عن سببها ونعالجه لنمنع التكرار، وهذا هو الكشف الذي لا يحبذه الكثيرون.
لو أننا نضخ بترولا في أنابيب مثقوبة ليتسرب باستمرار جزء منه أليس من الأولى أن نصلح تلك الثقوب قبل أن نستمر في الضخ؟ هذا بالفعل ما حدث الأسبوع الماضي مع الإعلان عن اللجنة العليا لمكافحة الفساد برئاسة سمو ولي العهد.
إن قاعدة الاقتصادي الإيطالي الشهير ويلفريدو باريتو 20/80 تنص على أن 80% من التأثير تأتي من 20% من العمل. أي أن 80% من العمل يقوم به 20% من الموظفين مثلا أو أن توزيع الثروات يحتم أن 20% من الناس يملكون 80% من الثروات والأمثلة على ذلك كثيرة.
فلو افترضنا أن هذا المبدأ ينطبق على الفساد لوجدنا أن 20% من الفاسدين مسؤولون عن 80% منه، وبهذا فإن التركيز أو البداية بكبارهم له أثر كبير في محاربة الفساد واجتثاثه.
من منا لا يعرف فاسدا؟ كم من الفاسدين يعمل تحت غطاء التاجر ورجل الأعمال ذي الحنكة والدهاء؟ كذلك التلاعب بالأنظمة والالتفاف عليها باستخدام مصطلحات محددة وسيل من المخاطبات التي تضيع القضايا بين سطورها يصبح فنا من فنون الفساد. بعض الأمور التي تظهر على الورق على أنها نظامية تفوح منها رائحة نتنة، وتصبح حديث المجتمع ما بين مظلوم يتحسب و«فاسد صاعد» يود أن يتعلم. أما الأغلبية فهي صامتة. ترى وتسمع وتظن أن ليس بيدها شيء.
لفترة طويلة ظننا بأن هذا الحال الطبيعي الذي لن يتغير، وأصبح الفساد ثقافة عمل تأصلت على مدى عقود. ليس الكل الفاسد ولكن الكل يعلم بوجود الفساد وإن كان من عمل فئة قليلة. أما الآن مع أعمال اللجنة العليا لمكافحة الفساد والتي رأينا نتائجها السريعة وأعمالها الحازمة وسلطتها الواسعة فالأمر اختلف كليا. فالإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يتم إلا بالتعامل مع أصول المشاكل التنموية وأسباب تعطيلها.
من الدروس المستفادة هذا الأسبوع أن الخطأ يبقى خطأ وإن كان عدد كبير يقوم به، وبغض النظر عن من يرتكبه. فالفساد لا يتقادم ولا يسقط مع التقاعد أو انتهاء المشروع، وهذا بالفعل ما ظهر جليا من فتح الملفات القديمة التي أغلقت مسبقا.
كل حالة فساد تم رصدها هي حالة دراسية تدلنا على الثغرات الموجودة في الأنظمة الحالية. فمن مزايا ما يحدث الآن من محاربة الفساد هو أنها سوف تساعد في تحديث الأنظمة بوضع صمامات أمان أكثر وزيادة الشفافية وتوضيح الإجراءات والمحاسبة الروتينية. كلها خطوات للإصلاح الاقتصادي والتنموي والكل يستفيد.
*عميدة كلية التصاميم في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بالدمام
لست ممن ينظر بسوداوية للأمور ولست ممن يرى الفساد في كل شيء، ولكن أحاول قدر الإمكان أن أنتهج العقلانية. ولكنه تبين لي أنه لا يمكن لنا أن نعالج أعراض المشكلة بل علينا أن نبحث عن سببها ونعالجه لنمنع التكرار، وهذا هو الكشف الذي لا يحبذه الكثيرون.
لو أننا نضخ بترولا في أنابيب مثقوبة ليتسرب باستمرار جزء منه أليس من الأولى أن نصلح تلك الثقوب قبل أن نستمر في الضخ؟ هذا بالفعل ما حدث الأسبوع الماضي مع الإعلان عن اللجنة العليا لمكافحة الفساد برئاسة سمو ولي العهد.
إن قاعدة الاقتصادي الإيطالي الشهير ويلفريدو باريتو 20/80 تنص على أن 80% من التأثير تأتي من 20% من العمل. أي أن 80% من العمل يقوم به 20% من الموظفين مثلا أو أن توزيع الثروات يحتم أن 20% من الناس يملكون 80% من الثروات والأمثلة على ذلك كثيرة.
فلو افترضنا أن هذا المبدأ ينطبق على الفساد لوجدنا أن 20% من الفاسدين مسؤولون عن 80% منه، وبهذا فإن التركيز أو البداية بكبارهم له أثر كبير في محاربة الفساد واجتثاثه.
من منا لا يعرف فاسدا؟ كم من الفاسدين يعمل تحت غطاء التاجر ورجل الأعمال ذي الحنكة والدهاء؟ كذلك التلاعب بالأنظمة والالتفاف عليها باستخدام مصطلحات محددة وسيل من المخاطبات التي تضيع القضايا بين سطورها يصبح فنا من فنون الفساد. بعض الأمور التي تظهر على الورق على أنها نظامية تفوح منها رائحة نتنة، وتصبح حديث المجتمع ما بين مظلوم يتحسب و«فاسد صاعد» يود أن يتعلم. أما الأغلبية فهي صامتة. ترى وتسمع وتظن أن ليس بيدها شيء.
لفترة طويلة ظننا بأن هذا الحال الطبيعي الذي لن يتغير، وأصبح الفساد ثقافة عمل تأصلت على مدى عقود. ليس الكل الفاسد ولكن الكل يعلم بوجود الفساد وإن كان من عمل فئة قليلة. أما الآن مع أعمال اللجنة العليا لمكافحة الفساد والتي رأينا نتائجها السريعة وأعمالها الحازمة وسلطتها الواسعة فالأمر اختلف كليا. فالإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يتم إلا بالتعامل مع أصول المشاكل التنموية وأسباب تعطيلها.
من الدروس المستفادة هذا الأسبوع أن الخطأ يبقى خطأ وإن كان عدد كبير يقوم به، وبغض النظر عن من يرتكبه. فالفساد لا يتقادم ولا يسقط مع التقاعد أو انتهاء المشروع، وهذا بالفعل ما ظهر جليا من فتح الملفات القديمة التي أغلقت مسبقا.
كل حالة فساد تم رصدها هي حالة دراسية تدلنا على الثغرات الموجودة في الأنظمة الحالية. فمن مزايا ما يحدث الآن من محاربة الفساد هو أنها سوف تساعد في تحديث الأنظمة بوضع صمامات أمان أكثر وزيادة الشفافية وتوضيح الإجراءات والمحاسبة الروتينية. كلها خطوات للإصلاح الاقتصادي والتنموي والكل يستفيد.
*عميدة كلية التصاميم في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بالدمام